حذّرت المحللة والمستثمرة التقنية الشهيرة "ماري ميكر" من أن شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة في الولايات المتحدة، بما فيها OpenAI، قد تجد نفسها قريباً متخلفة أمام منافسين دوليين أسرع وأقل تكلفة، ولا سيما من الصين.
وفي مقابلة حديثة مع صحيفة فايننشال تايمز، قالت ميكر، التي لطالما اعتُبرت مؤشرات رؤاها بمثابة بوصلة ومرجع لسيليكون فالي، إن الذكاء الاصطناعي يتجه نحو خلق قيمة اقتصادية غير مسبوقة – لكنها حذّرت من أن هذه الثروات لن تتركز في أمريكا الشمالية وحدها.
قالت ميكر "سيُولد العديد من الشركات بقيمة عشرة تريليونات دولار، ومن المحتمل ألا تكون جميعها متمركزة في أمريكا الشمالية".
وأضافت"ما نحن مقبلون عليه هو خلق ثروة غير عادي. لم يحدث قط أن وجدنا سوقاً مكوّنة من خمسة مليارات مستخدم يمكن الوصول إليها بهذه السهولة".
تحديات متزايدة لعمالقة الذكاء الاصطناعي الأميركيين
في عرضها التحليلي الأخير، الذي يحظى بمتابعة واسعة بين المستثمرين وأصحاب الشركات ورواد التكنولوجيا، تسلط ميكر الضوء على التحديات المتنامية التي تواجه الشركات الأميركية الرائدة مثل OpenAI وGoogle وAnthropic. فرغم هيمنتها على المراحل الأولى من تطوير نماذج اللغة الضخمة (LLMs)، تحذّر ميكر من أن التكاليف المتصاعدة لتدريب النماذج، بالتوازي مع ظهور بدائل أكثر رشاقة وتخصصًا، قد تُفقد هذه الشركات صدارتها المبكرة.
من بين أبرز المنافسين: شركة DeepSeek الصينية، التي تصدّرت العناوين بإطلاقها نماذج لغة قوية بتكلفة أقل بكثير. ووفقاً لتقرير ميكر، فإن "نموذج العمل لا يزال في حالة تقلب"، محذّرة من أن اقتصاديات النماذج العامة الشاملة أصبحت "أقرب إلى نموذج الصناعات السلعية ذات معدل استهلاك لرأس المال على مستوى استثماري".
تكاليف باهظة وأرباح صعبة المنال
ارتفعت تكاليف تطوير النماذج المتقدمة بنسبة 2400% خلال السنوات الثماني الماضية، ما جعل الطريق نحو الربحية أكثر ضيقًا حتى أمام الكبار. وقد بلغ إجمالي الإيرادات السنوية المقدرة لشركات OpenAI وxAI وAnthropic نحو 12 مليار دولار، بعد أن جمعت تمويلات بلغت 95 مليار دولار.
ومع ذلك، ترى ميكر أن نسبة تقييم OpenAI إلى إيراداتها تبدو "مرتفعة ومكلفة". ويأتي هذا التقييم في ظل تصاعد المنافسة ليس فقط من شركات ناشئة أميركية تبني نماذج خفيفة مصممة حسب الطلب، بل أيضًا من لاعبين دوليين يقدّمون حلولاً منخفضة التكلفة تزداد كفاءتها بسرعة.
الفجوة بين أميركا والصين تتقلص
تتضمن تقارير فايننشال تايمز مخططًا يُظهر مقارنة بين أداء نماذج الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة والصين بين يناير 2024 وفبراير 2025، ما يبرز مدى السرعة التي أغلقت بها المنصات الصينية الفجوة، خاصة في جوانب كفاءة التكلفة وسرعة النماذج.
وفي الوقت نفسه، تستثمر عمالقة التكنولوجيا مثل مايكروسوفت وإنفيديا وميتا مليارات الدولارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. ووفقاً لميكر، تجاوزت النفقات الرأسمالية الجماعية لأكبر ست شركات تقنية أميركية 200 مليار دولار في عام 2024. هذا الاندفاع الاستثماري أسهم في تضخم تقييمات شركات النماذج اللغوية، حيث وصلت القيمة المجمعة لـ"الثلاثي الكبير" – OpenAI وAnthropic وxAI – إلى نحو 400 مليار دولار.
التاريخ يعيد نفسه... ولكن بثمن
وصفت ميكر، التي لُقبت سابقًا بـ"ملكة الإنترنت" بفضل تحليلاتها المبكرة في شركة مورغان ستانلي في التسعينيات، مناخ الاستثمار في الذكاء الاصطناعي اليوم بأنه يذكّرها بتقلبات كبرى في تاريخ التكنولوجيا. وشبّهت المسار المالي لشركات الذكاء الاصطناعي بشركات متمردة كثيفة الاستهلاك للنقد مثل أمازون وأوبر وتسلا، والتي عانت من خسائر مبكرة قبل أن تحظى بهيمنة السوق – لكن ذلك لم يحدث إلا بعد سلسلة من الانهيارات والتصفية.
ووجّهت أيضاً تحذيراً واضحاً للمستثمرين الذين انجرفوا وراء حماسة الذكاء الاصطناعي: "القاعدة الذهبية في فترات النشوة هذه هي أن تستثمر فقط ما يمكنك تحمّل خسارته، وأن تتبنّى نهج المحفظة الاستثمارية"، قالت ميكر لـفايننشال تايمز. "وضع كل البيض في سلة واحدة هو مخاطرة حقيقية، لأن كل شيء يبدو في اتجاه الصعود – حتى يتوقف عن الصعود".
خلاصة
مع تصاعد التكاليف وتزايد حدة المنافسة الجيوسياسية، تشكّل تحذيرات ميكر تذكيراً واقعياً بأن سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي لا يزال في بداياته – وقد لا يكون الفائزون هم من يحتلون الصدارة اليوم.
تعليقات الزوار