فوضى المناخ تهدد أمن باكستان الغذائي

يحذر العلماء من أن "الوضع الطبيعي الجديد" في باكستان، المتمثل في موجات حرارة قصوى، فيضانات، وهطول أمطار غير منتظمة، يدفع المزارع وسلاسل الإمداد إلى حافة الانهيار.

بعد مرور ثلاث سنوات على الفيضانات الكارثية التي غمرت ثلث باكستان، خلص العلماء إلى أن أنظمة الطقس في البلاد قد تحولت إلى "الوضع الطبيعي الجديد" الخطير، وهو نمط مناخي متقلب يتسم بشتاء جاف، موجات حرارة شديدة، وأمطار موسمية غير منتظمة تهدد المحاصيل والبنية التحتية وسبل العيش في جميع أنحاء البلاد.

وأكد خبراء لـ"هذا الأسبوع في آسيا" أن هذا التغير المتزايد في المناخ قد أثر بالفعل على إنتاج المحاصيل خلال السنوات الأربع الماضية، مما يشكل خطراً متزايداً على الأمن الغذائي في باكستان.

وقال علي ميرتشي، أستاذ مشارك في هندسة موارد المياه في جامعة أوكلاهوما، والذي شارك في عدة دراسات حول الهيدرولوجيا المتغيرة لحوض نهر السند: "هذه ليست أخبار جيدة لباكستان".

وأوضح أن المنطقة التي تشمل معظم باكستان وتمتد إلى شمال غرب الهند تظهر علامات واضحة على زيادة عدم الاستقرار. إذ أصبحت الفيضانات، نقص المياه، والإجهاد الحراري تعطل دورات الزراعة والحصاد بشكل روتيني.

وأضاف: "التأثير العام هو زيادة عدم اليقين في الإنتاج الزراعي والأمن المائي"، مشيراً إلى أن العواقب "فورية وطويلة الأمد".

تتسبب الفيضانات المفاجئة في تدمير المحاصيل القائمة وتسبب "آثار متسلسلة خطيرة للمجتمعات الزراعية". أما الجفاف، إلى جانب تغير أنماط ذوبان الثلوج، فيحد من الري ويزيد من الضغط على الزراعة.

ولمواجهة هذه التحديات، لجأت المجتمعات في باكستان وشمال غرب الهند إلى الاعتماد بشكل متزايد على موارد المياه الجوفية التي تعاني من إجهاد، خاصة في الزراعة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه - وهو توجه يحذر ميرتشي من أنه يهدد الأمن المائي على المدى الطويل.

أظهرت الدراسات استنزافاً كبيراً للمياه الجوفية في أجزاء من شمال غرب الهند، مدفوعًا بمزيج من قلة الأمطار، انخفاض تدفقات الروافد، ومتطلبات نظام زراعة الأرز والقمح السائد.

وتعاني باكستان من هشاشة مماثلة في ولايتي البنجاب والسند، حيث أدى الجفاف المطول وارتفاع درجات الحرارة إلى تراجع إنتاج القمح وقصب السكر.

وليس تأثير التغير المناخي في باكستان مقتصراً على الغذاء والمياه فقط، بل يمتد إلى زعزعة استقرار الاقتصاد برمته. فقد عطل الطقس القاسي المحاصيل الأساسية التي تشكل مصدر دخل التصدير والتصنيع. في عام 2023، أضعف ذلك احتياطيات العملة الأجنبية في البلاد، في وقت كانت فيه باكستان على شفا التخلف عن السداد.

وقال عبد القدير صلحري، المدير التنفيذي لمعهد سياسة التنمية المستدامة في إسلام أباد: "نحن نتحدث عن كائنات حية، فالعديد من العمليات التصنيعية قد تتوقف مؤقتًا خلال الطقس غير المناسب، لكن المحاصيل بمجرد زراعتها لا يمكن تأجيلها".

أدى انخفاض إنتاج القطن خلال السنوات الأخيرة إلى اضطرار صناعة النسيج الباكستانية، التي تمثل حوالي 60% من عائدات التصدير، إلى زيادة واردات الغزل.

تضررت أيضًا إنتاج الأرز، ثاني أكبر صادرات باكستان، بالإضافة إلى المانجو والبرتقال، واضطرت الحكومة إلى استيراد السكر لتعويض انخفاض إنتاج قصب السكر.

فيما يلي، أدت الفيضانات المدمرة في 2022، التي قدرت إسلام أباد أنها قضت على 40% من محصول القطن و15% من حقول الأرز، إلى توضيح صارخ لكيفية تأثير تغير المناخ على باكستان.

ومع ذلك، فإن استجابة البلاد للأزمة كانت بطيئة التشكيل.

بعد توتر عسكري قصير مع الهند في مايو أدى إلى تعليق نيودلهي معاهدة مياه السند التي تنظم مشاركة نهر السند وروافده، سرّعت إسلام أباد بناء أربعة سدود ومحطات كهرمائية كاستجابة.

لكن ميرتشي حذر من أن البلاد بحاجة ماسة إلى "استراتيجية شاملة للأمن الغذائي" تتجاوز بناء السدود.

وقال إن هذه الاستراتيجية يجب أن تشمل أساليب زراعية مقاومة، تأمين المحاصيل، بنية تحتية لسلسلة التبريد، ودعمًا قويًا للمزارعين، وكلها ضرورية لمواجهة التهديد المتزايد للإمدادات الغذائية، وهو تحدٍ مرتبط ارتباطًا وثيقًا باستنزاف المياه الجوفية طويل الأمد في المناطق الزراعية الرئيسية.

أوضح إهاب أنصاري، مستشار أعمال مقيم في دبي وله خبرة واسعة في قطاع الزراعة في باكستان، أن ضمان الأمن الغذائي مستقبلاً يتطلب تحويل سلسلة القيمة الزراعية من "المزرعة إلى السوق" إلى "البذرة إلى الرف".

وقال: "هذا يتطلب إعادة تنظيم صناعي وتحول ثقافي في استهلاك وإنتاج الغذاء". وأضاف: "بدون ذلك، فإن كل صدمة مناخية ستوسع فجوة الجوع بشكل لا رجعة فيه".

وأشار أنصاري إلى أن نموذج باكستان السائد - بيع المنتجات الطازجة في الأسواق المفتوحة، القليل من المعالجة، وندرة التبريد - "غير متوافق بشكل أساسي مع تقلبات المناخ والضغوط الجيوسياسية التي تواجهها الآن".

وذكر أن ثقافة الغذاء في باكستان تعتمد منذ زمن طويل على الفورية أكثر من الحفظ، من أكشاك الخضروات في الشوارع إلى خبز الروتي المحلي. وتفتقر البلاد إلى صناعة غذائية معتمدة على المعالجة يمكن توسيع نطاقها. ولا يوجد نظام وطني للخضروات المجمدة، الفواكه المعلبة، أو الوجبات الجاهزة للأكل.

قال: "الغذاء المعالج والمجمد ليس ترفًا، بل هو وسادة حماية".

ونتيجة لذلك، يضيع الكثير من فائض الإنتاج بسبب نقص البنية التحتية لسلسلة التبريد مثل شاحنات التبريد، مخازن التخزين، ومراكز التوزيع.

وأضاف أنصاري: "عندما تنهار أسعار الطماطم بسبب فائض العرض، ينهار المزارعون اقتصاديًا. وعندما تدمر الفيضانات المحاصيل، لا يوجد شيء في المخازن للتخفيف من الصدمة... بناء الأمن الغذائي في هذا السياق يعني إعادة برمجة النظام".

ورغم التحديات، يعتقد أنصاري أن تحقيق هذا الهدف ممكن. يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص بناء خطوط إمداد مبردة، كما يمكن نشر وحدات تخزين مبردة تعمل بالطاقة الشمسية في المناطق الريفية.

قال إن الشركات الكبرى مثل نستله وبيبسيكو يمكن أن "تشرك آلاف المزارعين الصغار في التعاونيات الخاصة بالمعالجة"، مع العلم أن حوالي 80% من مزارع باكستان صغيرة لا تتجاوز مساحتها 5 أفدنة.

أوضح أن معظم المزارعين في باكستان يعتمدون على أنظمة ري قديمة، دورات زراعية تقليدية، وتوقعات موسمية، مما يجعل التغيير مكلفًا ومحفوفًا بالمخاطر وغالبًا غير ضروري "إلى أن يفوت الأوان".

من ناحية أخرى، أظهر سكان المدن في باكستان استعدادًا أكبر للتكيف، حيث ركبوا الألواح الشمسية على أسطح منازلهم بسرعة لمواجهة ارتفاع تكاليف الكهرباء، واعتمدوا علامات تجارية محلية للمنتجات الغذائية المعالجة كجزء من حملة مقاطعة ضد الشركات متعددة الجنسيات التي يُعتقد أنها تدعم إسرائيل في غزة.

يشير هذا إلى أن التوعية الاستهلاكية، مثل حملات نستله وفريزلاند كامبينا إنغرو لتعزيز الحليب المبستر طويل الأجل، يمكن أن تساعد في إعادة تصنيف الأغذية المجمدة والمعالجة كخيارات آمنة ومغذية.

لكن بالنسبة للمزارعين، وهم الحلقة الأهم في سلسلة الأمن الغذائي، فإن "التغيير سيستغرق وقتًا أطول".

وقال: "بدون دعم مالي وتدريب وأنظمة ري جديدة، قد يستغرق التكيف المعنوي أكثر من عقد من الزمن". وأضاف: "للأسف، التغير المناخي لن ينتظر".

تعليقات الزوار