وانتقد فريدون فشراكي، الرئيس الفخري لمجموعة الاستشارات FGE، الموقف الأمريكي قائلاً إن الولايات المتحدة تعتبر أنه "غير مقبول أن تشتري الهند النفط الروسي المخفّض، لكنه مقبول إذا كانت الصين." واتهمت الولايات المتحدة الهند بالاستفادة من شراء النفط الروسي بأسعار منخفضة وإعادة بيع المنتجات المكررة في السوق. وللضغط على الهند من أجل تقليص وارداتها من النفط الروسي، ضاعفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على السلع الهندية المصدرة إلى الولايات المتحدة إلى 50%.
وقال فشراكي: "هل هناك أي عقوبات على شراء النفط الروسي؟ لا توجد عقوبات. الأمر متروك لكم، يمكنكم شراء ما تريدون"، مضيفاً أن الهند ببساطة تشتري الخام الأرخص في السوق. وتابع: "القضية مفهومة بشكل خاطئ تماماً، ومضللة."
وأضاف أن الولايات المتحدة إذا كانت تريد حقاً وقف تدفق الخام الروسي، فعليها فرض عقوبات مباشرة على هذا النفط، لكنها لا تريد القيام بذلك لأن الأسعار العالمية سترتفع، وهو ما يتعارض مع أهداف ترامب.
وخلال الجلسة نفسها، شدد ممثلو شركات التكرير الهندية HMEL وشركة النفط الهندية (IOC) على حقهم في تنويع مصادر استيراد النفط بالسعر الأفضل للشعب الهندي، ولأعمالهم، ولأمن الطاقة في الهند.
وقال مانو سيغال، نائب رئيس استراتيجية وتوريد الخام في شركة HMEL، إن اعتماد الهند على مورد واحد "أمر خطير"، كما حدث مع أوروبا، في إشارة إلى مساعي أوروبا لتعويض إمدادات الخام الروسي بعد أن حظرها الاتحاد الأوروبي عقب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022.
استمرار المشتريات الهندية
مثل الاتحاد الأوروبي، فرضت الولايات المتحدة حظراً على النفط الخام الروسي والمنتجات المكررة، وفرضت عقوبات مالية على شركات وأشخاص روس، وعلى الوسطاء والناقلات والبنوك التي تتعامل مع المدفوعات — لكنها في الوقت نفسه تسمح باستمرار تصدير النفط من الموانئ الروسية. ويبحث الاتحاد الأوروبي حالياً حزمة جديدة من العقوبات الروسية ضمن الحزمة التاسعة عشرة، ويسعى إلى تنسيق هذه الإجراءات مع الولايات المتحدة، حيث التقى مبعوث الاتحاد الأوروبي للعقوبات بمسؤولين أمريكيين في واشنطن يوم الاثنين.
ومنذ الغزو، أصبحت كل من الصين والهند وتركيا الأسواق الرئيسية للخام الروسي. وتحتل الهند الآن المركز الثاني كأكبر مشترٍ بحوالي 1.8 مليون برميل يومياً، بينما تشتري الصين ما يقارب 2 مليون برميل يومياً.
واستمرت الهند في شراء الخام الروسي حتى بعد فرض الرسوم الأمريكية الأعلى في أواخر اب — كما أنها تقترب أكثر من روسيا والصين، حيث التقى رئيس الوزراء ناريندرا مودي مع رئيسي البلدين خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة في الصين.
أما الصين فقد تجاهلت الضغوط الأمريكية لخفض مشترياتها من الخام الروسي، دون أن تتخذ واشنطن أي إجراءات ضدها حتى الآن.
وفي الوقت نفسه، أدخل الاتحاد الأوروبي آلية جديدة لتحديد سقف سعري ديناميكي لشحن الخام الروسي اعتباراً من 3 أيلول، حيث يُسمح حالياً لشحنات النفط الروسي المباعة بأقل من 47.60 دولاراً للبرميل بالإبحار على متن ناقلات غربية، مقارنة بالسقف السابق البالغ 60 دولاراً الذي فرضته مجموعة السبع في أواخر عام 2022. بينما يبلغ سعر خام الأورال في السوق حالياً أعلى من هذا السقف.
وقال مشاركون في المؤتمر إن هذا الإجراء يدفع المزيد من تجارة النفط الروسي إلى "أسطول الظل" — وهو أسطول يضم ناقلات قديمة في الغالب تعمل خارج نطاق النفوذ الغربي.
الاستنتاجات
- في ضوء استمرار روسيا بتصدير نفطها المخفض إلى آسيا، يمكن تصور ثلاثة مسارات لمستقبل نفوط الشرق الأوسط. المسار الأول هو بقاء الوضع على حاله، حيث تواصل الهند والصين شراء الخام الروسي بأسعاره المنخفضة دون مواجهة عقوبات مباشرة، مما يضع منتجي الخليج تحت ضغط سعري ويجبرهم على تقديم خصومات إضافية أو البحث عن أسواق بديلة في أوروبا وأماكن أخرى.
- أما المسار الثاني فهو تصاعد المنافسة الروسية بشكل أكبر عبر إغراق الأسواق الآسيوية بكميات أكبر وبأسعار أدنى، وهو ما قد يطلق شرارة "حرب أسعار" تضر بعائدات الشرق الأوسط وتضع ميزانياته تحت ضغوط قاسية، الأمر الذي قد يدفع المنتجين الخليجيين إلى الاعتماد على تنسيق أوبك+ أو اللجوء إلى تنويع صادراتهم نحو منتجات ذات قيمة مضافة أعلى.
- وفي المسار الثالث، قد نشهد استجابة أكثر تنسيقاً من دول الشرق الأوسط عبر سياسات إنتاجية مشتركة وتحالفات تجارية مع الهند والدول الآسيوية، لا تعتمد فقط على السعر بل على شراكات طويلة الأمد تشمل الاستثمار في البنية التحتية وضمان أمن الإمدادات، وهو ما قد يساعد على استعادة التوازن وتقليل اعتماد آسيا على النفط الروسي، وإن كان ذلك يتطلب تنازلات مالية وسياسية في المدى القصير.
تعليقات الزوار