En

من رسائل مؤتمر "أديبك": لا انتقال للطاقة بل "إضافة"

بقلم: أنس بن فيصل الحجي اقتصادي متخصص في مجال الطاقة
يعقد حالياً في أبوظبي "معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول" (أديبك-2025)، وهو من أكبر المؤتمرات والمعارض المتعلقة بالطاقة في العالم، ويتوقع أن يتجاوز عدد المشاركين فيه والزوار 200 ألف شخص، ويتحدث فيه عدد كبير من الوزراء ورؤساء الشركات العالمية والخبراء، بما في ذلك وزير الداخلية الأميركية دوغ بريغم، والداخلية الأميركية هي المسؤولة عن الموارد الطبيعية داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك النفط والغاز.

ويتضح من اليوم الأول للمؤتمر أن هناك رسائل واضحة للعالم ومن أهمها أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال الوصول إلى الحياد الكربوني ولا يوجد انتقال للطاقة، لكن هناك إضافة مستمرة للطاقة.

واتفق الجميع على أن الطلب العالمي على الطاقة سيستمر لأسباب مختلفة اختصرها وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ "أدنوك" ومجموعة شركاتها، سلطان الجابر، في كلمته التي افتتح بها المؤتمر وجاء فيها أن "الطلب على الكهرباء سيستمر في الارتفاع حتى عام 2040 بسبب زيادة حاجة مراكز البيانات إلى الكهرباء بأربعة أضعاف، وانتقال 1.5 مليار شخص إلى المدن، وتشغيل أكثر من ملياري مكيف هواء إضافي، وسيزدهر قطاع الطيران مع تضاعف عدد أسطول شركات الطيران العالمية من 25 ألفاً إلى 50 ألف طائرة، ونتيجة لذلك سيزيد إنتاج الطاقة المتجددة بأكثر من الضعف بحلول عام 2040، وسينمو الغاز الطبيعي المسال 50 في المئة، ووقود الطائرات بأكثر من 30 في المئة، وسيستمر إنتاج النفط فوق مستوى 100 مليون برميل يومياً لما بعد عام 2040، كما سيزداد استخدامه بصورة أكبر في تصنيع كثير من المواد وكذلك في التنقل، وفي ضوء كل هذه الحقائق فمن الواضح أن الموضوع أكثر تعقيداً من الانتقال إلى نوع واحد من مصادر الطاقة، إذ إننا بحاجة إلى تعزيز مصادر الطاقة وليس استبدال مصدر بآخر".

عندما تبنت الدول الأوروبية والولايات المتحدة وغيرها سياسات التغير المناخي وأنفقت أموالاً ضخمة على مزارع الطاقة الشمسية والرياح والوقود الحيوي، كان الهدف هو إحلالها محل الفحم والغاز والنفط، وهذا الإحلال سموه "التحول الطاقي"، والمشكلة أن الارتفاع الهائل في الطلب على الطاقة يعني أننا نحتاج إلى كل مصادر الطاقة، ومن ثم فإن الإحلال لن يحصل، ولذلك فنحن بحاجة إلى تعزيز مصادر الطاقة بدلاً من التخلص من بعضها.

دحض التوقعات السلبية في أسواق النفط

وزير الداخلية الأميركي أكد أن الاختراعات والإبداع أهم من وضع القوانين المنظمة، وهذا يعكس وجهة نظر "الجمهوريين" إذ يريدون التقليل من التدخل الحكومي ودور أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد، ويعكس مدى اهتمام إدارة ترمب بالتقدم التقني في مجال الذكاء الاصطناعي لمنافسة الصين.

وقد عارض بصورة غير مباشرة فكرة أن "الاختراعات والإبداع أهم من وضع القوانين المنظمة" وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي، فذكر أن مشكلات الاتحاد الأوروبي في وضع القوانين قد تسبب أزمات طاقة، وأعاد الكعبي تهديده بوقف صادرات الغاز المسال للاتحاد الأوروبي إذا لم يجر إلغاء أو تخفيف ما يعرف بـ "قانون الاستدامة"، والذي يرفع كُلف الشركات لدرجة أن الإصدارات للاتحاد الأوروبي لا تعود مربحة، وكان رئيس شركة "إكسون موبيل"، دارن وود، قد ذكر أن هذه القوانين ستجبر شركات النفط، بما في ذلك "إكسون"، على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

الطاقة والذكاء الاصطناعي

وركز "أديبك-2025" هذا العام على الطاقة والذكاء الاصطناعي، إذ إن العلاقة بينهما متبادلة ومعقدة، فمن جهة يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى كميات هائلة من الطاقة، بينما تحتاج شركات الطاقة إلى الذكاء الاصطناعي في عملياتها لزيادة الكفاءة وتعظيم الكميات المستخرجة وخفض الكُلف، وتحدث الجابر عن استخدامات الذكاء الاصطناعي في "أدنوك" فقال "نستخدم كل التقنيات المتاحة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والروبوتات، لتسريع زمن الإنجاز وتعزيز القيمة، ومن خلال شركتنا 'أيه آي كيو' نستخدم أكثر من 200 أداة وتطبيق للذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب عملياتنا، من رؤوس الآبار إلى قاعات التداول، وتسهم هذه الأدوات في تقليل حالات التوقف المفاجئ إلى النصف، ورفع كفاءة الأداء عبر مختلف أعمالنا، ومن المخطط أن يدعم حلنا الرائد 'ذكاء اصطناعي لطاقة المستقبل' تحسين دقة التوقعات الإنتاجية بنسبة 90 في المئة، وكل هذا مجرد بداية".

الذكاء الاصطناعي والأمن العالمي

فيما أكد مؤسس "مجموعة يوروآسيا" الاستشارية، إيين بريمر، على الدور المزدوج للذكاء الاصطناعي كمسرّع اقتصادي وقوة مزعزعة للاستقرار، وسلط الضوء على تداخل الذكاء الاصطناعي مع أمن الطاقة والتنافس بين الولايات المتحدة والصين، وذكر أن الذكاء الاصطناعي أصبح مساحة سياسية جديدة للصراع والتنافس، ووصفه بأنه ليس مجرد قفزة تكنولوجية بل مسرّع جيوسياسي يفاقم التوترات القائمة في عالم مُجزأ، في عصر مضطرب يتميز بانفصال الولايات المتحدة والصين والصراعات الإقليمية مثل أوكرانيا والشرق الأوسط وضغوط المناخ، كما أنه يفاقم التفاوت الطبقي وعدم المساوة بتركيزه السلطة في أيدي قلة من الجهات الفاعلة.

وركز بريمر على المفارقة في الذكاء الاصطناعي، إذ إنه يعد عدداً كبيراً من البشر بمكاسب إنتاجية ضخمة من خلال تطبيقات الهواتف الذكية، لكن هناك قلة تسيطر على البيانات والخوارزميات مثل "غوغل" و"إنفيديا" و"أوبن إي آي"، وقال إن "الذكاء الاصطناعي ليس محايداً بل هو مرآة لانقسامات العالم، فمن يتحكم في الرقائق والبيانات والطاقة يتحكم في المستقبل"، مركزاً على فكرة أن التطور التقني الذي أدى إلى خفض كُلف الحواسيب والهواتف الذكية هو ما يؤدي إلى إنتاج بيانات ضخمة ومن ثم زيادة ضخمة في استهلاك الطاقة، ومقابلة هذا الطلب الناتج من الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات تتجاوز 7 تريليونات دولار، هذا وستجري تغطية مواضيع كثيرة في مجالات الطاقة المختلفة اليوم وغداً، بما في ذلك الهيدروجين والطاقة النووية، إضافة إلى مجالات أخرى تتعلق بالأمور اللوجستية والشحن البحري وطرق الاستثمار والتمويل المختلفة.

تعليقات الزوار