En

تصاعد مخاطر المناخ وتشتت الاستجابة في الهند

مع اقتراب انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين لتغير المناخ (COP30)، تزداد التحذيرات من أن الاستجابات السياسية في الهند لا تزال مجزّأة وضعيفة التنسيق رغم تصاعد آثار التغير المناخي على الصحة والبيئة.

في مقابلة مع صحيفة Deccan Herald، أشار الدكتور جاي أسوندي، المدير التنفيذي لمركز دراسات العلوم والتكنولوجيا والسياسات (CSTEP)، إلى أن الفجوة بين الأدلة العلمية والسياسات الميدانية ما تزال واسعة، ما يهدد بعرقلة قدرة البلاد على حماية مواطنيها من موجات الحر، والجفاف، والتلوث المتزايد.

أزمات صحية مناخية بلا استجابة موحدة

ويستند أسوندي إلى نتائج تقرير “المرصد الصحي لتغير المناخ – ذا لانست 2024” الذي أظهر أن الهند سجّلت نحو 1.7 مليون وفاة مرتبطة بالتلوث في عام 2022، وأن الجفاف طال 61% من مساحة اليابسة العالمية في عام 2024.

ورغم هذا الواقع “القياسي”، يقول الباحث إن الاستجابة السياسية لا تزال بطيئة وغير متكاملة، بسبب ضعف التكامل بين بيانات الصحة والبيئة وإدارة الكوارث.

ويضيف أن المراكز البحثية والمستودعات الفكرية (Think Tanks) مثل مركزه يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تحويل المعرفة العلمية إلى أدوات تطبيقية، من خلال محاكاة السيناريوهات، وبناء القدرات المؤسسية، وتصميم مشروعات تجريبية محلية تساعد صناع القرار على فهم آثار القرارات المناخية في سياقات محددة.

فجوة القدرات بين الولايات

ورغم إعلان الحكومة الهندية في أغسطس الماضي أن جميع الولايات والأقاليم الاتحادية أعدّت خطط عمل مناخية، يؤكد أسوندي أن القدرات التحليلية والبحثية على المستوى المحلي لا تزال غير متكافئة.

فعدد قليل من الولايات يمتلك أنظمة مراقبة أو مؤشرات تربط بين المناخ والصحة العامة، وغالبًا ما تبقى الخطط “واسعة وغير قابلة للتنفيذ العملي”.

لكن الباحث يرى أن الأمور بدأت تتحرك بالاتجاه الصحيح، مشيرًا إلى تجربة بنغالور التي أعدّت خطة مناخية على مستوى المدينة يجري الآن توسيعها إلى مستوى الأحياء، في نموذج يمكن تعميمه تدريجيًا.

التحديات البيئية الجديدة للطاقة الخضراء

وحول التحديات البيئية المقبلة الناتجة عن نهاية عمر مكونات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية والبطاريات، أقرّ أسوندي بوجود فجوات بيانات في الهند، لكنه أوضح أن الأبحاث العلمية والصناعية بدأت تركّز على إعادة التدوير واستخلاص المعادن النادرة لتقليل الاعتماد على الواردات.

وأشار إلى أن هذه المسألة تمثل مجالاً بحثيًا ناشئًا يستدعي تعاونًا وثيقًا بين المؤسسات البحثية والقطاع الصناعي لتفادي تحولها إلى أزمة بيئية مستقبلية.

تغييب التنوع الحيوي في أجندة المناخ

يرى أسوندي أن النقاشات المناخية تميل إلى التركيز على خفض الانبعاثات الكربونية لأنها أكثر قابلية للقياس وأعلى تأثيرًا سياسيًا، لكنها بذلك تُهمّش التنوع الحيوي الذي يشكّل خط الدفاع الأول ضد آثار المناخ.

فالنظم البيئية السليمة — كالغابات والمستنقعات والمناطق الساحلية — تخزن الكربون وتخفف من الكوارث الطبيعية وتوفر سبل العيش للمجتمعات المحلية.

ويحذر من أن غياب التكامل بين سياسات المناخ والتنوع الحيوي يؤدي إلى إهدار الفرص في اعتماد الحلول القائمة على الطبيعة، داعيًا إلى دمج التنوع الحيوي في صميم تمويل وسياسات المناخ.

الحاجة إلى إصلاحات في التمويل المناخي

بحسب تقديرات مجموعة الخبراء رفيعة المستوى التابعة لمجموعة العشرين، تحتاج الدول النامية إلى 2.4 تريليون دولار سنويًا حتى عام 2030، مقابل هدف أممي لا يتجاوز تريليون دولار سنويًا.

يؤكد أسوندي أن ردم هذه الفجوة يتطلب الانتقال من التمويل العام التقليدي إلى نماذج تمويل مبتكرة تشمل التمويل المدمج (Blended Finance) الذي يجذب رأس المال الخاص، إضافة إلى إصلاحات في الهيكل المالي الدولي لتسهيل الوصول إلى التمويل المناخي بشفافية وعدالة.

ويشير إلى أن تحقيق حتى الهدف الأدنى البالغ 300 مليار دولار سنويًا بحلول 2035 سيكون صعبًا دون تحول سياسي جذري في إرادة الدول المتقدمة، التي لم تلتزم حتى الآن بتعهداتها السابقة.

الصراعات الجيوسياسية وتأثيرها على العمل المناخي

أوضح أسوندي أن الحروب والصراعات العالمية — مثل حرب أوكرانيا والإبادة في غزة والحرب الأهلية في السودان — تقوّض التعاون الدولي المطلوب لمواجهة التغير المناخي.

فهي تعطل سلاسل الإمداد، وتعيد بعض الدول إلى الاعتماد المؤقت على الوقود الأحفوري كما حدث في الاتحاد الأوروبي بدافع الأمن الطاقي.

ويرى أن هذه الأزمات “تحرف” النقاش المناخي عن مساره وتضعف روح التعاون في وقت يتطلب تضامنًا دوليًا غير مسبوق.

خاتمة

تؤكد تصريحات جاي أسوندي أن الهند تقف عند مفترق طرق مناخي: فبينما يتزايد الوعي والمبادرات المحلية، تظل الاستجابة المؤسسية مجزّأة وتعتمد على مبادرات فردية.

ولكي تواجه البلاد مخاطر المناخ المتسارعة، فإنها تحتاج إلى بنية بيانات موحدة، وتكامل بين القطاعات، وتمويل مستدام عابر للمستويات المحلية والوطنية.

إن مستقبل السياسات المناخية في الهند لن يتحدد في مؤتمرات القمم، بل في قدرة الولايات والمدن على تحويل العلم إلى أفعال ملموسة على الأرض.

تعليقات الزوار