En

سيول تواجه خطر السحب من احتياطاتها النقدية لتمويل استثماراتها في الولايات المتحدة

حذّر لي ها كيونغ، كبير الكتّاب في صحيفة JoongAng Ilbo الكورية، من أن كوريا الجنوبية قد تُضطر إلى استخدام جزء من احتياطاتها الأجنبية لتمويل اتفاقات الاستثمار الضخمة التي أبرمتها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة قد تهدد الاستقرار المالي الكوري وتفتح الباب أمام أزمة صرف محتملة.

ويأتي هذا التحذير بعد اتفاق تجاري مع واشنطن يُلزم سيول بتقديم استثمارات نقدية مباشرة تتجاوز 200 مليار دولار خلال العقد المقبل، ما يثير مخاوف من تراجع الاحتياطي النقدي البالغ نحو 420 مليار دولار وتداعياته على سوق العمل والاقتصاد المحلي.

اتفاق استثماري مثير للجدل

عقب القمة الكورية–الأمريكية التي عقدت في مدينة غيونغجو في 29 أكتوبر، أعلنت الحكومتان عن خطة استثمارية بقيمة 350 مليار دولار، قالت سيول في البداية إن 5% فقط منها ستكون نقدًا.

لكن المفاوضات اللاحقة في أكتوبر كشفت أن كوريا مطالَبة بتحويل ما يصل إلى 20 مليار دولار سنويًا لمدة عشر سنوات، أي ما مجموعه 200 مليار دولار نقدًا، إضافة إلى 150 مليار دولار لمشروع مشترك في بناء السفن تحت اسم MASGA.

ويرى مراقبون أن إدارة ترامب تمارس ضغوطًا على حلفائها لتمويل عجزها التجاري والمالي، فيما يقول مسؤولون كوريون إن القرار النهائي بشأن استخدام الأموال يخضع للجنة الاستثمار الأمريكية برئاسة وزير التجارة هاورد لوتنيك، وهو ما يثير القلق بشأن احتمال تغليب الحسابات السياسية على الجدوى الاقتصادية.

المخاطر المالية والبرلمانية

يقول لي ها كيونغ إن الاحتياطات الأجنبية الكورية لم تُستخدم سابقًا في استثمارات مباشرة بهذا الحجم، إذ إنها مخصصة تقليديًا لمواجهة تقلبات العملة وأزمات ميزان المدفوعات.

ورغم تطمينات الحكومة بأن حجم الاحتياطي سيبقى ثابتًا عبر عوائد الفوائد والأرباح التمويلية، إلا أن محللين حذّروا من أن أي خلل في إدارة الصرف قد يؤدي إلى تدهور اقتصادي سريع على غرار أزمة صندوق النقد الدولي عام 1997.

ويشير الكاتب إلى أن البرلمان الكوري (الجمعية الوطنية) يمتلك دستوريًا صلاحية مراجعة الإنفاق العام والمصادقة على الاتفاقات المالية، محذرًا من اعتبار مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة "اتفاقًا غير ملزم" لتجاوز الرقابة التشريعية.

انعكاسات اقتصادية داخلية

تُقدّر الاستثمارات الكورية المباشرة في الولايات المتحدة بنحو 21.5 مليار دولار عام 2013، لكن وفق الاتفاق الجديد، سترتفع إلى أكثر من 40 مليار دولار سنويًا.

ويرى الخبراء أن هذا التدفق الكبير قد يخلق فرص عمل في أمريكا لكنه يهدد برفع معدلات البطالة داخل كوريا ويؤثر على الاستثمار المحلي والصناعات الوطنية.

كما يُحذر التقرير من أن استمرار الضغوط الأمريكية دون آلية توازن واضحة قد يقود إلى تراجع التصنيع (Deindustrialization) في كوريا، ما يجعلها أكثر هشاشة أمام الأزمات المالية.

بين واشنطن وبكين: سباق الهيمنة الصناعية

يُشير الكاتب إلى أن الصين تستعد بذكاء لمواجهة العقوبات الأمريكية، حيث نجح مهندسوها في ربط مئات الرقائق منخفضة الأداء لتطوير خوادم تضاهي منتجات “إنفيديا”، ما يعزز الاكتفاء الذاتي التكنولوجي لديها.

في المقابل، ما تزال الولايات المتحدة تعتمد على المعادن النادرة الصينية في الصناعات الدفاعية والتقنية، ما يمنح بكين ورقة ضغط استراتيجية.

ويرى لي أن كوريا بحاجة إلى ورقة تفاوضية مماثلة تحمي مصالحها الوطنية وتمنعها من الوقوع بين المطرقة الأمريكية والسندان الصيني.

دعوة إلى “الروح الصناعية”

في ختام مقاله، يستشهد الكاتب بتصريحات جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة Nvidia، الذي قال إن “الولايات المتحدة قوية في البرمجيات وضعيفة في التصنيع، وأوروبا قوية في التصنيع وضعيفة في البرمجيات، أما كوريا فلديها الاثنين معًا.”

ويدعو لي الحكومة الكورية إلى إحياء روح الريادة الصناعية التي ميّزت قادة الصناعة الكورية الأوائل مثل لي بيونغ تشول (سامسونغ) وتشونغ جو يونغ (هيونداي)، عبر تحرير السياسات الصناعية وتشجيع المخاطرة الاستثمارية لتعزيز الاستقلال الاقتصادي.

خلاصة

يُظهر تقرير JoongAng Daily أن الاتفاق الاستثماري الكوري–الأمريكي يحمل أبعادًا سياسية واقتصادية عميقة تتجاوز الشراكة التقليدية بين البلدين.

فبينما تسعى واشنطن لتعويض عجزها المالي، تخاطر سيول بضغط احتياطاتها النقدية وتباطؤ استثماراتها المحلية.

ويبقى السؤال المطروح: هل يمكن لكوريا الجنوبية أن توازن بين تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وحماية سيادتها الاقتصادية دون أن تُوجَّه إليها “اللكمة الأولى” التي تحدّث عنها مايك تايسون؟

تعليقات الزوار