أسهم تعاقب الرؤساء الأمريكيين منذ ريتشارد نيكسون في صعود ، مما أدى عن غير قصد، إلى ظهور أكبر خصم استراتيجي واجهته الولايات المتحدة على الإطلاق، وفق موقع "ذا هيل" الأمريكي.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد هو من قلب خلال ولايته الأولى، مسار التقارب الأمريكي مع بكين الذي استمر 45 عاماً، وذلك بتصنيف الصين في استراتيجيته للأمن القومي كخصم، وبدأ حرباً تجارية معها بفرض رسوم جمركية على السلع الصينية، ما مثّل تحولاً كبيراً نحو نهج أكثر تصادمية، وفق الموقع.
سياسة ترامب الأحادية
وبحسب "ذا هيل"، يجادل منتقدو ترامب بأن سياسته الأحادية الحازمة في التجارة والسياسة الخارجية تُقوّض النفوذ الأمريكي، بينما قد تفتح الباب أمام بكين لتعزيز علاقاتها مع دول تدور تقليدياً في فلك واشنطن.
وقال إن خطط البيت الأبيض لفرض رسوم جمركية على شركاء تجاريين رئيسيين قد تُضعف تحالفات حيوية، علاوةً على ذلك، يُهيئ تجميد ترامب للمساعدات الخارجية فراغًا يُمكّن الصين من توسيع حضورها الدولي، لا سيما في أفريقيا.
وفي الوقت نفسه، تُركز سياسات ترامب بشكل متزايد على مواجهة الصين، وتعكس الجولات الجديدة من الرسوم الجمركية المفروضة منذ فبراير/ شباط الماضي هذا التحول، كما يعكس تركيز الرئيس على إنهاء حرب أوكرانيا لتحويل التركيز الاستراتيجي الأمريكي من أوروبا إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على حد تعبير الموقع.
وأكد أنه على مر السنين، كانت السياسات الأمريكية المختلفة التي أسهمت في صعود الصين مدفوعةً في البداية بمصالح استراتيجية، لكنها في النهاية أسفرت عن عواقب غير مقصودة.
ولفت إلى أنه من خلال استقطاب الصين في تحالف غير رسمي مناهض للسوفيت خلال النصف الثاني من الحرب الباردة، خلقت واشنطن منافسةً بين طرفين، أسهمت في التوسع الإمبريالي السوفيتي المفرط، وفي نهاية المطاف في انهيار الاتحاد السوفيتي.
ولكن بكسر عزلة الصين ومنحها إمكانية الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا الغربية، سهّلت واشنطن أيضاً صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية، وفق الموقع.
وقال إنه منذ تسعينيات القرن الماضي، كثيراً ما كانت العقوبات الأمريكية ضد الدول الأخرى في صالح الصين، حيث استغلت بكين ببراعة الفرص الناشئة عن عزلة الدول الخاضعة للعقوبات.
تحالف روسي صيني
وأوضحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق كيف يمكن للإفراط في استخدام العقوبات أن يُسرّع التوسع العالمي للصين، إذ تسببت العقوبات الغربية غير المسبوقة التي قادتها الولايات المتحدة ضد روسيا بعد حربها على أوكرانيا، بما في ذلك تسليح التمويل الدولي، بتحويل بكين إلى مصرف لروسيا بحكم الأمر الواقع.
وأشار الموقع إلى أن الصين استفادت من هذا التحول بتوسيع نطاق الاستخدام الدولي لليوان، حيث تُولّد روسيا جزءاً كبيراً من عائدات صادراتها بالعملة الصينية، وتُبقي العائدات إلى حد كبير داخل الصين.
وبإجبار روسيا على التحوّل نحو الصين، أسهمت عقوبات بايدن، عن غير قصد، في ترسيخ تحالف صيني روسي استراتيجي ضد أمريكا، وفق تقدير الموقع.
وبين أن حجم التجارة بين الصين وروسيا ارتفع من 108 مليارات دولار في العام 2020 إلى 245 مليار دولار العام الماضي.
وفي مقابل منح روسيا شريان حياة اقتصادياً، حصلت بكين على بعضٍ من أحدث التقنيات العسكرية الروسية، التي كانت تُباع سابقاً للهند فقط.
ويواجه صانعو السياسات الأمريكيون الآن مهمةً ملحةً تتمثل في دقّ إسفين بين الصين وروسيا، اللتين تراوحت علاقتهما المعقدة تاريخياً بين التعاون والصراع.
وذكر الموقع أن مجرد انخراط حليفين مقربين للولايات المتحدة - اليابان وكوريا الجنوبية - في حوارات استراتيجية مع الصين، يُبرز كيف تتبنى الدول استراتيجيات تحوّطية في ظل حالة عدم اليقين الجيوسياسي.
وفي ظل هذه الخلفية، تُنذر العواقب غير المقصودة لسياسات إدارة ترامب - وخاصةً حربها على التعددية - بتعزيز نفوذ الصين.
مبدأ "الجزرة والعصا"
وأكد الموقع أن قدرة الصين على التصرف كأكبر مُقرض حكومي في العالم وأكثرها قسوةً، إلى جانب دبلوماسيتها العدوانية القائمة على مبدأ "الجزرة والعصا"، تُعزز توسيع نفوذها العالمي.
ولمواجهة تراكم النفوذ الصيني، قال الموقع إنه يجب على إدارة ترامب اعتماد نهج متعدد الجوانب يجمع بين الاستراتيجيات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية.
وقد يُجبر استغلال التعريفات الجمركية والسياسات التجارية، لتعطيل الاقتصاد الصيني المعتمد على التصدير، بكين على التفاوض بشروط أكثر عدلاً، أو يُخاطر بتقليص فرص الوصول إلى الأسواق.
كما يُمكن للإدارة الأمريكية تحفيز الشركات الأمريكية على إعادة التصنيع إلى الداخل من خلال الإعفاءات الضريبية أو الإعانات، مما يُضعف دور الصين كمصنع العالم.
ويرى الموقع أن تشديد الضوابط على التكنولوجيا وتدفقات رأس المال إلى الصين قد يُعيق قدرة بكين على الابتكار في الصناعات الرئيسية، كما أن زيادة التدقيق في الاستثمارات الصينية في قطاعات التكنولوجيا الأمريكية من شأنها أن تحد من وصولها إلى الملكية الفكرية الأمريكية.
ومن شأن تعزيز التحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أن يخلق توازناً هائلاً في وجه التوسع الصيني من خلال التطويق الجيوسياسي، وفق الموقع.
علاوة على ذلك، فإن توسيع نطاق نشر القوات الأمريكية والأسلحة المتطورة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من شأنه أن يُعزز الردع ضد الصين.
ودعا الموقع الإدارة الأمريكية إلى ضمان ألا تُقوّض الصفقات قصيرة الأجل الأهداف الأمريكية طويلة الأجل.
وقال إن اتباع استراتيجية متماسكة ومستدامة - بدلاً من التحولات السياسية العشوائية - أمرٌ بالغ الأهمية لإبطاء صعود الصين دون إثارة صراع كبير.
وأكد أنه يجب على ترامب مقاومة الدبلوماسية التبادلية، وإعطاء الأولوية للأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل، حتى تتمكن الولايات المتحدة من موازنة نفوذ الصين المتزايد بفعالية أكبر، مع تعزيز هيمنتها العالمية.
تعليقات الزوار